في الثلاثينيات من القرن الماضي ( حوالي 1930 م ):
كان هناك طالب جديد التحق بكلية الزراعة في إحدى جامعات مصر، وعندما حان وقت الصلاة بحث عن مكان ليصلي فيه، فأخبروه أنه لا يوجد مكان للصلاة في الكلية، ولكن هناك غرفة صغيرة
(قبو) تحت الأرض يمكن أن يصلي فيه.
ذهب الطالب إلى الغرفة تحت الأرض وهو مستغرب من الطلاب في الكلية لعدم اهتمامهم بموضوع الصلاة،
هل يصلون أم لا؟!
المهم، دخل الغرفة فوجد فيها حصيراً قديمة، وكانت غرفة غير مرتبة ولا نظيفة، ووجد عاملاً يصلي، فسأله الطالب: هل تصلي هنا؟ فأجاب العامل: نعم، لأنه لا يوجد أحد آخر يصلي معي، ولا توجد غير هذه الغرفة.
فقال الطالب بكل اعتراض: أما أنا فلا أصلي تحت الأرض، وخرج من القبو إلى الأعلى، وبحث عن أكثر مكان معروف وواضح في الكلية وعمل شيئاً غريباً جداً!
وقف وأذن للصلاة بأعلى صوته!! تفاجأ الجميع وأخذ الطلاب يضحكون عليه ويشيرون إليه بأيديهم ويتهمونه بالجنون..
لم يبال بهم، جلس قليلاً ثم نهض وأقام الصلاة وبدأ يصلي وكأنه لا يوجد أحد حوله، ومرت الأيام.. يوم.. يومين.. لم تتغير الحال... الناس كانت تضحك ثم اعتادت على الموضوع كل يوم فلم يعودوا يضحكون..
ثم حصل تغيير.. صعد العامل الذي كان يصلي في القبو وصلى معه..
ثم أصبحوا أربعة...
وبعد أسبوع صلى معهم أستاذ....!
وانتشر الموضوع وكثر الكلام عنه في كل أرجاء الكلية، فاستدعى العميد هذا الطالب وقال له: لا يجوز هذا الذي يحصل، أنتم تصلون في وسط الكلية!!
نحن سنبني لكم مسجداً عبارة عن غرفة نظيفة مرتبة يصلي فيها من يشاء وقت الصلاة.
وهكذا بُني أول مسجد في كلية جامعية، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ إن طلاب باقي الكليات أحسوا بالغيرة فبنوا مسجداً في كل كلية في الجامعة.
هذا الطالب تصرف بإيجابية في موقف واحد في حياته؛ فكانت النتيجة أعظم من المتوقع.. ولا يزال هذا الشخص - سواء كان حياً أو ميتاً - يأخذ حسنات وثواب عن كل مسجد يبنى في الجامعات ويذكر فيه اسم الله.
أما أصحاب النفسيات المريضة،
الذين يقولون:
«مش أنا اللي هيغير الكون»، «خلِّيك في حالك»، «ويا عم انت مالَك، أنا في حالي وانت في حالك»، فهؤلاء لا يصلحون للعيش في الحياة؛ لأن الحياة تحتاج إلى الإقدام والمبادأة والمبادرة، وأن يكون هناك سبق التقدم.
يقول الشاعر: إذا القومُ قالوا مَنْ فتىً خِلتُ أنني ................... عُنيْتُ فلم أَ........ل ولم تبلَّدِ
وما أجمل أن تُمعن النظر في مبادرة مخلصة راقية أخرى من رجل رفض أن يذكر اسمه، ولكنه كان سبباً في فتح مبين فتحه الله تعالى على جيش المسلمين في أحد معاركه مع الروم.
خرج مسلمة بن عبدالملك ذات مرة إلى غزو الروم، واشتد الحصار، ووجد نقباً في سور الحصن، فأرسل إليه جنده ليفتحوه فلم يستطيعوا، فلما عجزوا خرج رجل من عامة الجند مُسرعاً إلى النقب ودخله، ثم فتح الحصن ثم دخل في صفوف الجند دون أن يعرفه أحد. فلما انتصر المسلمون، قام مسلمة خطيباً في الجند،
وقال:
مَن صاحب النقب؟ فلم يجبه أحد،.....!
ثم قال:
لقد أمرت الحرس أن يأذنوا له حال مجيئه فعزمت عليه إلا جاء. وبعد فترة من الزمن، جاء رجل إلى مسلمة، فاستأذن الحرس
فقالوا له:
أنت صاحب النقب؟
قال:
أنا أخبركم بخبره، فدخل على مسلمة،
فقال:
إن صاحب النقب يأخذ عليكم ثلاثاً،
قال:
ما هي؟ قال: ألا تأمروا له بشيء، وألا تسوِّدوا اسمه في صحيفة إلى الخليفة، وألا تسألوه عن اسمه،
قال مسلمة:
له ذلك،
فقال الرجل:
أنا صاحب النقب،
فكان مسلمة يدعو كل يوم بعد صلاته ويقول:
اللهم اجعلني مع صاحب النقب. (نجيب العامر: مواقف إيمانية).
ويروي صاحب كتاب
«كيف ت........ب المال» أنّ امرأة في ولاية نيوجيرسي كانت تبيع الفاكهة في كشك صغير تزاحمه عشرات من الأكشاك الكبرى، ولكنّه يفوقها جميعاً في تصريف الأصناف وإرضاء الزبائن، ذلك أنّ المرأة عندما تزن الفاكهة تضيف إلى كل وزن تفاحة أو خوخة، ثمّ تضحك وتقول:
هذهِ إكرامٌ لكِ أو للصغير!! وقد كان لهذه البادرة تأثيرها في نفوس المشترين.
فيا أيها الإنسـان بادر إلى التقـى ................... وسارع إلى الخير ما دمت مُمهَـلُ
وأكثر من التقـوى لتحمدَ غبَّـها ................... بدار الجزا دارٌ بها سـوف تنـزل
وقـدِّم لما تُقـدِم علـيـه فإنـما غدا ................... سوف تُجزى بالذي أنت تفعـل
وسـارع إلى الخيـرات لا تُهملنَّها ................... فإنـك إن أهملـت ما أنت مُهْمَـلُ
فما أحسن التقوى وأهـدى سبيلها ................... بها ينفع الإنسان ما كـان يعمـلُ